اسرار الطفولة

كثيرا ما نتعامل مع أطفالنا بشيء من الاستخفاف بقدراتهم العقلية وإمكانياتهم، ونتخيلهم أحيانًا مجرد كائنات تأكل وتشرب وتنام، وننسى تمامًا نموَّهم العقلي في هذه المرحلة المبكرة من العمر، والتي يكون فيها معدَّل النمو العقلي والإدراكي لدى الطفل أكثر نشاطًا من أي مرحلة أخرى من العمر، وهو الأمر الذي يدعو للآسف.

وقوة الذاكرة لدى الأطفال هي واحدة من أهم أسرار الطفولة ومفاتيحها الذهبية التي أودعها المولى عز وجل فيهم، حتى يكوِّنوا خبراتهم ومعارفهم في الحياة. إن قوَّة ذاكرة طفلك يا سيدي طبيعية جدًّا، بارك الله لك فيه.

إن الفاروق عمره 4 سنوات، وبالتالي لا يمكن أن تستكثر عليه أن يتذكر مكانًا جميلاً، زاره منذ سنة، و لعل الأمر يتضح أكثر إذا تذكرت: كيف تعرَّف على وجه أمه وأبيه عندما كان عمره 6 أشهر؟! كيف تعلَّم كلمة بابا و ماما وعمره سنة واحدة؟! و كيف استطاع أن يتعرَّف على أنواع الطعام التي يحبُّها في سنِّ سنة ونصف؟!.. و كيف استطاع أن يعرف بيت جدِّه بمجرد دخول الشارع في عمر السنتين؟!
-إن ذاكرة الطفل تعمل من أول يوم يُولد فيه الطفل، فيسكت عندما تحمله والدته، ويبكي إذا تُرِك وحده، وبعد ذلك ما إن تقترب والدته في سريره حتى يسكت؛ لأنه يعلم أنها ستحمله.. يفرح ويهلِّل ما إن يراها قادمة من بعيد بزجاجة الحليب؛ لأنه يتذكَّر شكلها، وهو ابن 6 أشهر، يتذكر شيئًا سبَّب له الخوف أوعندما وقع من على كرسي، فنجده إذا رأى هذا الشيء يبكي؛ لأنه يتذكَّره، وهذا حتى خلال السنة الأولى من العمر.

-فالطفل خلال السنة الأولى يتذكر ما مرَّ به بعد مضي 5 أيام
-وخلال السنة الثانية يتذكر ما مرَّ به بعد 2 - 3 أسابيع.
-وخلال السنة الثالثة يتذكر ما مرَّ به بعد 2 - 3 أشهر.
-وخلال السنة السادسة يتذكر ما مر به بعد 3.5 سنوات.
و من الطريف أن الطفل لا يتذكر فقط الأحداث، ولكن يتذكر أيضًا الكلمات التي تقال أمامه، وتتكرَّر دائمًا، فيحفظها.

و فيما يلي بيان ما يتذكره الطفل من الكلمات حتى سن السادسة:
-ففي عمر 1.5 سنة يتذكر كلمة واحدة.
-وفي عمر سنتين يتذكر 5 كلمات
-وفي عمر 2.5 سنة يتذكر 6 - 7 كلمات
-وفي عمر 6.5 سنة يتذكر 18 كلمة.
وكذلك بالنسبة للأرقام، وإن كانت أصعب في حفظها؛ لأنها مجردة من المعاني، ولكي تجد أن ابنك في عمر 4.5 سنوات يمكنه حفظ رقم مكون في 4 أعداد، فما بالك بمكان جميل قضى فيه وقتًا ممتعًا.. بالطبع يتذكره.

-وعادة تكون قوَّة الذاكرة في البنات أقوى في الذكور؛ ولهذا فإن الاهتمام بتقوية الذاكرة وحسن استخدامها من أهم الأمور التي يجب أنه يتنبَّه لها الأبوان استغلالها ويحسنوا استغلالها، فمثلاً يمكن تقوية الذاكرة عن طريق الأغاني والأناشيد، والقصص الشيِّقة بتكرارها على مسامع الطفل، ثم جعله يردِّدها هو حتى يحفظها.

-وكذلك عن طريق الحوار والأسئلة عمَّا مرَّ به من أحداث، مثل: أين ذهبت اليوم؟ ومع من كنت تلعب؟ وماذا كان يرتدي أصدقاؤك في الرحلة؟ وماذا لعبتم؟

-وإذا كان بصدد تحفيظه موضوعًا معينًا، فعلينا مساعدته في طريقة تذكره، كأن نجعله يردِّد علينا ما قُلْناه بصوت عالٍ، ونرتب له الكلام ترتيبًا منطقيًّا يسهل تذكره.

-ولهذا فإن استغلال هذه الموهبة المبكرة لدى الأطفال مهم جدًّا، مثل حفظ القرآن الكريم، حيث إننا نجده سهلاً جدًّا في هذه السن، وكذلك حفظ الأحاديث البسيطة الواضحة المعنى، خاصة وإن ذهن الطفل في هذه السن يكون صافيًا لم يزدحم بعدُ بالأفكار، وخاصة في الصباح الباكر، فأفضل وقت لحفظ القرآن الكريم بعد الاستيقاظ في النوم قبل أن يتشتَّت الذهن في اللعب والجري.

إن الذاكرة هي سرٍّ من أسرار الطفولة الشيقة الغامضة، وهي سرٌّ من أسرار الله تعالى الذي قال: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد" (فصلت: 53)، فسبحان الله، والحمد لله.